الاثنين، 9 فبراير 2009

الرجل الأول .. لازال البحث عنه جارياً



أثناء مطالعتي لكتاب الدكتور "عادل صادق" ــ رحمه الله ــ "متاعب الزواج" وقعت عيناي على أكبر آفه يعاني منها المجتمع المصري ألا وهي الافتقاد للرجل الأول المحرك لنهضة الأمم ورقيها ..

ولم أجد أية مشقة أو تعب في نقل هذا الفصل المليء بالأفكار الدسمة، التي لو أمعنا فيها النظر لغيرت الكثير من معتقاداتنا وأفكارنا البالية، ولقامت بتحريرنا من العبثية والفوضوية التي نحياها ونتأقلم معها ..


الرجل الأول


الرجل الأول هو ناظر المدرسة ورئيس مجلس إدارة المؤسسة أو الشركة ورئيس القسم بالجامعة، وأيضاً هو رب الأسرة. والرجل الأول بمعنى المسئول الأول والمرجع الأخير.


والمكان يكتسب قيمته ومعناه وأهميته من شخصية الرجل الأول. ومستوى العمل وكفاءة الأداء تتوقف على أفكار ومواهب وإبداعات الرجل الأول. وكذلك القيم الأخلاقية والمبادئ التي تسود المكان والعمل وتتحكم في المواقف والأحداث وتوجه الأمور؛ تتوقف على قيم وأخلاق ومبادئ الرجل الأول.


والرجل الأول بمعنى آخر هو الروح التي تمنح الحياة، وهو الفكر الذي يدير حركة الحياة؛ وهو الإحساس الذي تنبض به الحياة، وهو الإدراك الكلي الشامل والاستيعاب الأعمق والبصيرة النافذة والرؤية الثاقبة والقوة المحركة.


وبمعان أخرى هو الحماس والطموح والأمل، وهو التخطيط والنظام والمتابعة، وهو المراقبة والحزم والعقاب والثواب.

وهو أيضاً الحسم.


وهو أيضاً المرونة والموضوعية والالتزام بالشورى ورأي الجماعة وصوت العقل والحكمة والحكماء.

وهو أيضاً ضمير المجموعة أو الجماعة التي يقودها، وهو الحلم؛ أي المستقبل، وهو الماضي بتراثه الأصيل.

أي أسرة فاشلة يكون ربها ــ أي الزوج والأب ــ رجلاً فاشلاً.


أيُّ مدرسة أو مؤسسة أو شركة أو جريدة فاشلة يكون رأسها وقائدها رجلاً فاشلاً.


ومن لم يكن مؤهلاً للقيادة ــ أي احتلال موقع الرجل الأول ــ فليتنح ولا يُقدم؛ لأن موقع الرجل الأول هو أهم موقع في حياة البشر، وهو الدور الأهم، وهو المسئولية الأخطر. والحياة دور ومسئولية.


إن شخصية الرجل الأول تنطبع على كل أوجه الحياة وتنعكس بشكل مباشر على الحاضر وتشكل ملامح المستقبل.

فإذا كان شخصية انحرافية؛ فسيعم الفساد. والفساد حسب طبيعة المكان. فإذا كان المكان مدرسة ويبرز أكثر المدرسين انحرافاً ويحتلون الصفوف الأولى وتسود قيم الانتهازية والنفاق والرياء والكذب، ستنهار صورة المعلم وتتحدد مكانته بانتقال هذه القيم السيئة للطلاب، وستكون المدرسة بؤرة فساد لا تقدم لطلابها إلا النماذج الانحرافية.


وإذا كان المكان مؤسسة أو شركة؛ فستعم الرشوة وسيرتبط العمل بكل صنوف الانحراف المعروفة من غش وتدليس وخداع ونفاق.


أما إذا كان رب الأسرة منحرفاً فلابد أن تصيب عدوى الانحراف أسرته من زوجة وأبناء وبنات. فرب الأسرة هو زارع القيم وحارسها وراعيها. وفاقد الشئ لا يعطيه . وإذا كان رب الدار بالدف ضارباً، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص. فهو المثل الأعلى، وتسيبه وتساهله القيمي ينتقل إلى رعيته.


ولابد أن يكون الرجل الأول حازماً، وأن يلجأ للعقاب إذا لزم الأمر، وأن يكون العقاب ملائماً ومناسباً للخطأ، وأن يكون فورياً. فهذا هو معنى الحزم. وألا يتساهل في مبدأ أو قيمة، وألا يتساهل في إهمال أو عدم اتقان وألا يتساهل في خرق قانون أو قاعدة راسخة.


المتساهل والمتسيب والرخو والضعيف واللاهي والغافل، كل هذه هي سمات الرجل الأول الخائب الذي يؤدي إلى تدهور العمل، وتدهور الأسرة وسهولة انهيارها الأخلاقي والإقلال من كفاءتها، وبسببه تنخفض جودة الإنتاج في الشركة، وينهار تدهور العمل. وينهار مستوى التعليم في المدرسة، وتكثر الأخطاء اللغوية والمطبعية في الجريدة. وإن أكبر سبب يؤدي إلى إهمال عامل أو موظف في عمله هو تساهل وتسيب وغفلة الرجل الأول؛ فغياب الحزم هو السبب الرئيسي لتدهور أي عمل وأيضاً تدهور الأسرة. وهذا هو رب الأسرة الضعيف المتساهل المتسيب الغافل الذي لا يواجه الأمور بحزم والذي لا يقف في وجه أي خطأ والذي ليس له القدرة على العقاب.


ولابد للرجل الأول أن يمتلك من المقومات الشخصية ما يتيح له فرصة السيطرة والقيادة، والسيطرة لابد أن تكون فكرية؛ أي أن تكون قوته في عقله وذكائه؛ علمه وثقافته ومعلوماته، وفي إحاطته بالأمور، في قوة منطقه وحكمته وموضوعيته. وإذا كان هناك من يفوقه في هذه الأمور فسيتغلب عليه؛ سيفلت زمام الأمور من بين يديه؛ سيفقد هيبته؛ سيقفز آخرون إلى موقع اتخاذ القرار وتسيير الأمور. أي سيحدث خلل في النظام وستعم الوفوضى. وإذا حدث مثل هذا الخلل في الأسرة فستصبح لا أسرة، أي ستفقد مقومات الأسرة. ستصبح أي شيء آخر إلا أن تكون أسرة الأسرة نسق متكامل له شكله ونظامه وأصوله وقواعده وتراثه، وهذا النسق يقتضي أن يكون رجلها الأول ــ أي الزوج والأب ــ قوياً فكرياً لكي يمسك بزمام الأمور ويقود الأسرة. إذا تراجع عن هذا الموقف يفعل ضعفه الفكري فسيحدث خلل في ميزان القوى داخل الأسرة؛ وبذلك ينهار النسق السوي للأسرة.


ولابد أن يكون مستقبلي النظرة، موهوباً مبدعاً؛ ليأتي بالجديد ليطور ويضيف. وبذلك تتحرك الحياة؛ وتموت الشركات والمؤسسات والمصانع إذا تجمدت. وحين تتجمد؛ فإنها تلفظ أول ما تلفظ رجلها الأول غير الموهوب المحدود الكفاءة؛ العاطل ذهنياً المتجمد إبداعياً. وهذا هو ما يحدث في الأسرة الأول صاحب مبادآت ومولداً لأفكار جديدة، وبذلك يظل باعثاً للروح والحياة والحركة والنشاط.


ولابد أن يكون الرجل الأول صادق الإحساس، ملهماً بعاطفته، كبيراً في قلبه ليستطيع أن يحتوي بالحب من هم مسئولون منه. القيادة هي أيضاً مشاعر دافئة عميقة مشعة، وحين يكون الرجل الأول بارد الإحساس، سطحي العاطفة معطل الوجدان؛ فاقداً لموهبة الإلهام والحدس والحس الباطني؛ فإنه يبعث بالبرودة في جميع أوصال من يعملون معه ويصيبهم تدريجياً الخمول والبلادة ثم اللامبالاة في الشعوب والجماعات والأفراد، والسبب هو البلادة العاطفية للرجل الأول.


وإذا كان رب الأسرة بليداً عاطفياً؛ فإن الكيان الأسري يتفككك. إن أحد دواعي الترابط الأسري هو طاقة الحب التي يبعثها الرجل الأول ــ أي الزوج والأب ــ من وجدانه. الجليد العاطفي هو أحد أهم أسباب انهيار الأسرة، وهذه هي مسئولية الرجل الأول.